قضاة في مواجهة الرئيس
عادل صبرى
من مقالاته:
صمم على إلغاء دورهم الرقابي على الانتخابات، بتغيير القوانين وقواعد اللعبة السياسية برمتها. وأثناء هذه المعركة حرص النظام على ضرب وحدة القضاة، وتقليب ذوي القلوب الضعيفة على ناديهم، حتى جاءت لحظة الحسم و دفع بمن يقدر على جعل الإغراء المادي والإغواء الوظيفي أهم من قيمة مهمته المقدسة.
خرج بعض القضاة عن خطهم المألوف وأصبحو يطلبون المميزات المالية عوضا عن كرامة المهنة والسيارة الفارهة وتعيين أبنائهم بدلا من الدفاع عن الشعب. وآمن هؤلاء أن دور ناديهم لا يجب أن يمتد إلى خارج أسواره، تأسيا بما فعله النظام في العديد من النقابات وأندية أعضاء هيئات التدريس والتى تحولت إلى أندية اجتماعية. لهذا لم يتحرك النادي في الآونة الأخيرة للدفاع عن كرامة أعضائه إلا نادرا، ولم تهتز لمسئوليه طرف عين عندما صفع أحد القضاة على وجهه.
تراجع دور نادي القضاة وتجمعاتهم أمام قول الحق والمشاركة في صنع تاريخ الأمة في أحلك أوقاتها، لدرجة أن الثورة التي صنع مقدماتها تراجع عن مناصرتها، وكاد يفتك بها وهي في المهد، من خلال تلك التصريحات المعادية لها، حيث تحامل رئيس النادي أحمد الزند على كل عمل رآه ضد النظام البائد. ولم تتوان السيدة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية بأن تظهر في عشرات بل مئات البرامج تدافع عن الرئيس المخلوع، وتتوعد من يخرج عن شرعية نظامه. وهكذا وجدنا فئة من القضاة تخرج عن اجماع الأمة التي رفضت عن بكرة ابيها الاستمرار تحت نظام فسد عن بكرة أبيه، واستمرأ افساد المسئولين وجل من يعمل في أعمال ترتبط بالسلطة والدولة والمجتمع. وكان من الطبيعي أن الفساد الذي طال الكثيرين من أبناء البلد، أن يمتد أيضا لسلك القضاة. فما من قاض ارتبط بسلطة النظام البائد إلا وحصل على غنيمة إما منصبا وزاريا أو محافظا أو مستشارا حاكما بأمره في وزارة أو هيئة أو شركة كبرى. لذا وجدنا صفقات الفساد في بيع القطاع العام ملطخة ببصمات بعض القضاة وشبكات الفساد في وزارات بعينها متصلة بهذه القلة الضئيلة التي تملك سلطة القرار وتزين للمسئول سؤء فعله أو وسيلة الهرب بأفعاله المشينة من حبل المشنقة ويد العدالة الناجزة.
هذه النوعية من القضاة مرت عليها الثورة مرور الكرام، خاصة أن الشعب كرم قضاة مصر لثقته في أغلبته الفاضلة بأن أعادهم للإشراف على الانتخابات ووضع النظم والقوانين التي تحدد مسار المستقبل لثورة أشعلها الشعب، وشارك فيها بحق كل طوائف الأمة. مع ذلك وجدنا بعض القضاة يتربصون بالثورة, وينفذون مطالبها على مضض. لهذا لم يكن غريبا ألا تأخذ العدالة مجراها السريع والحاسم في مسألة قتل الشهداء أو مطاردة الفاسدين، لأن الأمور تسير وفق روتين وضمائر لا يستريح لها البشر، فتترك ما يصب في صالح الناس وتأخذ ما يأتي على هواها، وتسترخي في مطاردة القتلة، وترفض استكمال نواقص الأوراق، والشهادات الحية، وملاحقة المسئولين عن ائتلاف المستندات، طالما أن ذلك يصب في غايتها.
وكم رأينا قضاة يطعنون في شرف زملائهم الذين شاركوا في الرقابة على الانتخابات وصمموا على ألا تأتي إلا بما يعبر عن رأي الشعب. فها هؤلاء الكاشفون للحقائق يصنفون بأنهم يلعبون لطرف من الأطراف، وهؤلاء الرافضون للتزوير يعملون سرا من أجل أسقاط الفريق أحمد شفيق. ولم يرتدع هؤلاء بعد أن صمم الشعب على كلمته، وفاز الرئيس محمد مرسي، فإذا بهم يستغلون خلافا قانونيا بين الرئيس والمجلس العسكري في قضية حل البرلمان، ويحملون سيف الفرقة، ويصنعون شقا في قلب الأمة، ويعرضون حناجرهم، ويرفعون حواجبهم، ويرفعون أيديهم في وجه الرئيس المنتخب وكأن الشعب الذي جاء به لا قيمة له ولا وزنا.
لم نكن ندري حجم الكارثة التي يصنعها هؤلاء أمام الرئيس لعرقلة خطواته، إلا بعد معايشة مأساة الزملاء من الصحفيين المتدربين في بوابة الوفد الذين ألقيت الشرطة القبض عليهم مع زملاء آخرين من جريدة الشروق، وعدد من المتظاهرين أمام السفارة السورية بجاردن سيتي الأربعاء الماضي. فقد اعتدنا أن تتعامل الشرطة مع الصحفيين معاملة المتظاهرين أو المجرمين أحيانا، فإذا بنا نجد في هذه الحالة وضعا مختلفا. اكتفت الشرطة بتجميع الشباب في قسم قصر النيل، لحين عرضهم على النيابة العامة. وعندما سمع الرئيس محمد مرسي بأن الشباب كان يتظاهر ضد الظلم والطغيان الذي يمارسه بشار الأسد وأعوانه من النظام الفاشي في دمشق، طلب من النيابة العامة الإفراج عنهم. طلب الرئيس، راعى أن الشباب لم يحدث تخريبا في الممتلكات العامة، وأنه شباب ثائر ضد الظلم خارج وطنه، لأنه أصبح نموذجا لمحاربته داخل وطنه. وجاء طلب الرئيس منسجما مع الأجواء التي أتت به إلى السلطة، خاصة أن أغلب المتظاهرين من شباب 6 أبريل، ولم يكن منهم واحدا ينتمي إلى فصيل الإخوان المسلمين المحسوب عليه سياسيا. فوجئنا بأن النيابة العامة لا تريد تنفيذ تعليمات الرئيس، والتي كان فيها، من يتحرك لتنفيذ الأوامر بهاتف من ضابط في أمن الدولة أو مسئول في وزارة، فما بالنا بما كان يحدث مع الناس والصحفيين وشخصيا من اجراءات محاسبة، لأننا هاجما يوما مسئولا أو اتهمناه بالفساد.
نزلت كلمة الرئيس على الأرض لأن بعض السادة في السلك القضائي يصرون على أن تكون ساحة المعركة في مصالح الشعب ولو تطلب الأمر وضع الأبرياء من الصحفيين وغيرهم في السجن عدة أيام، أو أوقف العمل في ساحات المحاكم، حتى لا يكون للرئيس المنتخب كلمة عند القضاة ويفقد الشعب ثقته فيه. هكذا الأمر يبدو بأن بعض القضاة الذين تحصنوا بما خلعه عليهم النظام السابق من مال وسلطة وجاه لمواجهة صوت الحق في حناجر الشباب الثائر أو الشعب الحائر. هؤلاء يريدون للماضي أن يستمر حفاظا على حقوقهم المكتسبة في السيارات الفارهة والمرتبات الخيالية والوظائف الرسمية كمستشارين ووزراء ومحافظين، مع قدرتهم على تعيين أبنائهم وأقاربهم وذويهم في المحاكم والسلك القضائي بجرة قلم بعيدا عن رقابة الدولة والشعب معا. فإلى أن تكون هناك كلمة فاصلة بين هؤلاء القضاة والرئيس، فعلى الشعب أن يستكين ويصمت لبعض الوقت أو للأبد.
Adelsabry33@yahoo.com
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - قضاة في مواجهة الرئيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق